كَناوة.. معاناة العبيد التي تحولت إلى موسيقى عالمية (2)

كَناوة.. معاناة العبيد التي تحولت إلى موسيقى عالمية (2)

-حميد القصري: المغاربة طوروا كَناوة و70% من مواضيعها ورقصاتها من إبداعهم.. وسبب عالميتها روحها الخاصة

-باحثة في موسيقى كَناوة: المغاربة مَغْرَبُوا كَناوة وأنقذوها من الموت.. ومهرجان الصويرة ارتقى بها كثيراً

-هند النعيرة: أسباب عالمية موسيقى كَناوة هو انسجامها مع جميع الآلات والأنماط الموسيقية وأنها روحية والاتصال بينها وبين الأجانب يحدث بسرعة

-فنانو موسيقى كَناوة يرتدون خلال الليالي والحفلات الكَناوية 7 ألبسة كل منها بلون ولكل لون دلالة

-لجمع كَناوة طقوس خاصة: يمنع على حاضره التدخين فيه وأن يدخله وهو مخمور أو غير طاهر

 

كتب: سامي جولال       

قبل قرون، وصلت إلى المغرب مجموعات من العبيد قادمين من إفريقيا جنوب الصحراء، تختلف الروايات حول أسباب وظروف مجيئهم، وضعوا النواة الأولى لموسيقى روحية فريدة، هي موسيقى كَنَاوَة، التي كان أول إيقاعاتها هو صوت السلاسل الحديدية، التي كانت تكبل أرجل أولئك العبيد، وكانت كلماتها الأولى تحكي وتعبر عن معاناتهم ومأساتهم، قبل أن تتطور، ويُمَغْرِبَهَا المغاربة ويدخلون عليها على مدار سنوات طويلة تغييرات وتحسينات، ويقدمونها لاحقاً ممزوجة مع ألوان موسيقية أخرى عالمية، من بينها البلوز والجاز، ما جعلها تكتسب شهرة وصيتاً عالميين.

خاض الجزء الأول من هذا الملف في أسباب وظروف مجيء أولئك العبيد إلى المغرب، من أية بلدان إفريقية أتوا، ومتى، وكيف، وفي أصل ومعنى تسمية "كناوة"، والبدايات الأولى لهذه الموسيقى الفريدة، وأبعادها الروحية.

وفي المقابل، يسلط الجزء الثاني من الملف الضوء، من خلال حوارات مع عدد من المتخصصين في موسيقى كَناوة، على مَغْرَبَةِ المغاربة لهذه الموسيقى وتطويرها، على مستوى المواضيع، والإيقاعات والآلات الموسيقية، والرقصات، والألبسة، وإنقاذها من الموت في وقت من الأوقات، والمواضيع التي يتطرق إليها هذا النوع الموسيقي، ودلالات رقصاته والألوان السبعة للملابس، التي يرتديها فنانوه خلال الحفلات والليالي الْكَنَاوِيَّة، وطقوس هذه الأخيرة، ووصول موسيقى كَناوة إلى العالمية، وجذبها لجماهير من دول ومناطق مختلفة، وإغرائها لموسيقيين عالميين من ألوان موسيقية مختلفة، استعانوا بإيقاعاتها في أعمالهم، ودور مهرجان كَناوة موسيقى العالم في مدينة الصويرة المغربية في ذلك.

وصنفت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو"، في ديسمبر 2019، موسيقى كَناوة المغربية ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي للبشرية.

تطوير المغاربة لكَناوة

ليست موسيقى كَناوة، التي كانت موجودة في عصر السلطانين أحمد المنصور الذهبي (سلطان مغربي من سلالة السَّعْدِيِّين، حكم ما بين 1578 و1603 ميلادية) ومولاي إسماعيل (سلطان مغربي من سلالة الْعَلَوِيِّين، حكم ما بين 1672 و1727 ميلادية)، هي نفسها الموجودة حاليّاً، بحسب الْمعَلّم حميد القصري، وهو واحد من أبرز فناني هذا النوع الموسيقي ومن رواده (صفة المعلم تطلق على الفنان الْكَنَاوِي)، موضحاً أن المغاربة طوروها بشكل كبير.

وأضاف القصري، في حديث مع "جسور بوست"، أن أولئك العبيد تزوجوا وأنجبوا أبناءهم في المغرب، واستمرت سلالتهم فيه، وأنه شخصيّاً عاش فترة من حياته، عندما كان يبلغ من العمر 8 أو 9 سنوات، مع أحفادهم (أي العبيد) في مدينة طنجة (شمال)، وأنه أُضِيفت إلى موسيقى كَناوة الكثير من المواضيع المُعَرَّبة، من بينها الغناء عن الأولياء والصالحين المغاربة، لكن أغاني موسيقى كَناوة في صيغتها الأولى، التي أتى بها أولئك العبيد، الذين يطلق عليهم اسم الْبُومْبْرَاوِيِّينْ أو أولاد بَامْبْرَة، لا تزال، وفق القصري، تُغنَّى إلى غاية الآن في بداية الليلة الكَناوية، وتُؤدَّى الرقصات الخاصة بها.

وحاول المغاربة، بحسب القصري، الذي يمارس فن موسيقى كَناوة منذ 56 عاماً، ترجمة وتفسير تَاكَنَاوِيتْ (موسيقى كَناوة)، وإعطاءها نكهة تجعلها محبوبة في المغرب بصفة عامة، لأنها كانت في وقت من الأوقات محدودة، ولم تكن تقدمها إلا فئة خاصة من الناس مدمنة عليها، ولم تكن معروفة بشكل كبير، في حين أصبحت معروفة حاليّاً في المغرب بأكمله، وحتى في الخارج، مبيِّناً أنه ذهب إلى غاية أستراليا، ووجد الناس هناك يحبون تاكَناويت، وأنها معروفة اليوم في أمريكا وأوروبا، وأن الأجانب، الذين يلعبون موسيقى الجاز وموسيقى البلوز، يأتون إلى المغرب للعب الموسيقى مع فناني كَناوة، ويجدون في ذلك متعة، لأن موسيقى كَناوة لها رُوحٌ مثل الجاز والبلوز.

ومن جانبها، قالت الباحثة المغربية في موسيقى كَناوة، كلثوم سيفي، إنه بعد إدخال أولئك العبيد تاكَناويت إلى المغرب، قام المغاربة بتطويرها وتبسيطها، على مستوى الآلات الموسيقية، وقاموا بمغربتها من خلال تأويل كلماتها، التي كانت بلغة بلاد أولئك العبيد إلى كلمات مغربية.

إنقاذ كَناوة من الموت

كانت تاكَناويت، وفق ما جاء في حديث سيفي مع "جسور بوست"، على وشك الموت في وقت من الأوقات، بعد وفاة الْمعَلّمِينْ الْكَنَاوِيِّينْ الكبار (صفة المعلم تطلق على الفنان الكَناوي)، وأنقذها من ذلك المعلمون الكَناويون، الذين كانوا في مدينة الدار البيضاء، ومن بينهم، بحسبها، المعلم حميدة بوسو، والمعلم عبد القادر التهامي، والمعلم ولد الشريفية، والمعلم حسن ولد الصويرية، مبيِّنة أن الجيل الجديد من المعلمين الكَناويين المغاربة الصغار الصاعدين حاليّاً هم الخلف، وأن بينهم معلمين من الطراز الرفيع.

%70 من المواضيع مغربية

في ما يخص المواضيع، التي تتطرق إليها موسيقى كَناوة، أفاد القصري بأن هناك أغاني خاصة بأولاد بامبرة (سلالة أولئك العبيد)، يحكون فيها عن معاناتهم، وفرحتهم، وكل ما يشعرون به، والكثير من الأشياء، لكن مواضيع موسيقى كَناوة لم تتوقف عند ما جاء به أولئك العبيد، بحسب المتحدث نفسه، الذي قال إن المغاربة طوروا هذا النوع الموسيقي، وأصبحت مواضيعه كثيرة، بفضل الجهد، الذي بذلوه في ذلك، موضحاً أن المعلمين الكَناويين المغاربة الأوائل (اسم المعلم يطلق على الفنان الكَناوي)، الذين تعلموا موسيقى كَناوة من أولئك العبيد، كانوا يقلدون ما يسمعونه، قبل أن يظهر جيل جديد من المعلمين الكَناويين المغاربة، الذين أضافوا كلمات جديدة وتحسينات، وأن 70% من مواضيع موسيقى كَناوة الموجودة حاليّاً أضافها المغاربة.

هيمنة المواضيع الدينية

عن تطرق موسيقى كَناوة إلى المواضيع الدينية بشكل كبير، ومن بينها ذكر الله والأنبياء والصحابة، أبرز القصري أنه من الضروري الغناء في رِيبِيرْتْوَارْ تاكَناويت بالكامل عن الرسول والدين، وذكر سيدنا عمر، وسيدنا علي، وسيدنا حمزة، والكثير من الأنبياء والأولياء والصالحين، وأن جميع هذه المواضيع، إلى جانب الغناء عن مولاي إبراهيم، ومولاي عبد الله بن حساين، وبويا عبد القادر (جميعهم أولياء صالحين مغاربة)، أضيفت إلى موسيقى كَناوة في المغرب، وتختلف عما يغنيه أولاد بامبرة، أحفاد العبيد الأفارقة الذين أتوا إلى المغرب.

أغاني العبيد وسلالتهم

من جهتها، أفادت سيفي بأن من بين المواضيع، التي تطرحها موسيقى كَناوة، ذكر النبي والصلاة عليه، وذكر صحابته، وتمجيد الله سبحانه وتعالى، وأن هذه المواضيع من أصل تاكَناويت، متابعةً أن كَناوة (أولئك العبيد وسلالتهم) لديهم أغانٍ أخرى خاصة بهم، تتحدث عن معاناة العبيد، وبقيت متداولة إلى غاية اليوم، وأنه إذا لم تُغنّ للكَناوي (من سلالة أولئك العبيد) تلك الأغاني في الليلة الكَناوية، فإن ناره لا تَبرُد ولا يرتاح.

ومن الضروري في بداية الليلة الكَناوية، وتحديداً في فقرات النّكْشَة وأولاد بامبرة وأولاد حُوسَا، أن يقوم أولاد بامبرة وأولاد حوسا، أي كَناوة أحفاد العبيد، بحسب سيفي، بالرقص واحداً تلو الآخر، ويفرحون، وتُغنَّى أغانيهم، حتى تَبرُد نارهم ويرتاحون، وبعد ذلك يبدؤون العزف على آلتي الْكَنْبْرِي والْقْرَاقْبْ الموسيقيتين، والغناء، وتستمر فقرات الليلة الكَناوية.

وبيَّنت المتحدثة نفسها أن هذه الأغاني الخاصة بأولاد بامبرة وأولاد حوسا، أي كَناوة أحفاد العبيد، لا تستطيع جميع المجموعات الكَناوية غناءها، ولا يغنيها إلا المعلم الكَناوي الحر، موضحة أن هذه الأغاني هي المهمة، وأنه إذا كان المعلم الكَناوي يحفظها، فهو فعلاً معلم، وأن المعلم الكَناوي يجب أن يكون متمكناً من العزف على الكَنبري والقراقب والطبل، ومن الرقص الكَناوي كذلك.

طقوس جمع كَناوة

يتمتع فنانو موسيقى كَناوة بأخلاق عالية، بحسب سيفي، التي أوضحت أنه يمنع التدخين في جمع كَناوة، ويمنع أن يدخله الشخص وهو مخمور، ويجب أن يكون طاهراً كأنه سيصلي، لأن ذلك الجمع يُذْكَر فيه الله، والرسول، وصحابته، ويبدأ الحاضر في التمجيد والذكر دون أن يشعر، ولذلك يجب أن يكون فمه نقيّاً، وفق سيفي، التي أفادت بأنه عندما تبدأ الليلة الكَناوية، يشعر الحاضر كأنه في عالم آخر.

الألوان السبعة

يرتدي فنانو موسيقى كَناوة خلال الليالي والحفلات الكَناوية ألبسة فريدة، تنقسم إلى 7 ألبسة، كل منها بلون معين، ولكل لون معناه ودلالته.

وبخصوص هذه الألبسة وألوانها، أفاد القصري بأن هناك 7 ألوان، وأن كل لون يرمز إلى شيء معين، موضحاً على سبيل المثال أن اللون الأبيض، الذي يسمى الشيخ عبد القادر، يرمز إلى السلام، وأن اللون الأزرق يرمز إلى السماء والنجوم، وأن اللون الأحمر يُرتَدى عند غناء 7 أو 8 أغانٍ تسمى سيدي حَمُّو، وأن اللون الأخضر يسمى مولاي إبراهيم (ولي صالح مغربي)، وأن اللون يوظف حسب موضوع الأغنية.

وفي هذا الجانب، بيَّنت هند النعيرة، فنانة مغربية كَناوية شابة، أن هناك الكثير من المواضيع، وأن فناني كَناوة لديهم 7 ألبسة يرتدونها أثناء تقديمهم لهذا النوع من الموسيقى، كل لباس بلون مختلف، وكل لون يدل على شيء معين، وأن الأمر بالنسبة إليها أشبه بطبيعةٍ، وكل لون يرمز إلى شيء ما في الطبيعة.

وعن دلالات تلك الألوان السبعة، والمواضيع التي يتم التطرق إليها بالنسبة لكل لون، قالت النعيرة، في حديث مع "جسور بوست"، إن اللون الأبيض تُفتتح به الرَّحْبَة (مرحلة من مراحل الليلة الكَناوية)، ويغنون أثناء ارتدائه عن الرسول، ويمدحون الله، في حين يتم التطرق في اللون الأخضر إلى الشرفاء وأولياء الله الصالحين، أما اللون الأسود فيغنون خلال ارتدائه مثلاً، وفق النعيرة، عن الطبيعة والغابة، وعن بابا مِيمُونْ (شخصية كَناوية تاريخية)، ويسمى فنانو كَناوة، الذين يلبسونه (أي الأسود)، الْكُوحْلْ، بينما يُرتدى اللون الأحمر عندما تُنظَّم ليلة/ حفل صَدَقَةٍ، تُذبح فيها ذبيحة يتم التصدق بها، ويغنون عن الذبيحة والدم، وعن الباشا حَمُّو (رجل سلطة مغربي في زمن الحماية الفرنسية على المغرب).

وتابعت النعيرة، التي تعيش في مدينة الصويرة (جنوب غرب المغرب) معقل موسيقى كَناوة، وتمارس فن موسيقى كَناوة منذ حوالي 8 أعوام، أنه يغنَّى أثناء ارتداء اللون الأصفر عن مِيرَة، وهي امرأة أمازيغية، فيما تعود قصة اللون البنفسجي، بحسب المتحدثة نفسها، إلى أميرة كانت تجمع النساء في عَشِيَّةٍ، ويرتدين جميعهن أي لباس جميل يتوفرن عليه في ذلك اللون، ويقمن بما يردن في تلك العشية، يرقصن، يغنين، ويكون الحضور مكوناً من النساء فقط، ولذلك يطلق على هذا الحفل اسم الْعْيَالَاتْ (أي النساء باللهجة المغربية)، أما اللون الأزرق فيغنون فيه عن السماء، والبحر، والماء، وكل ما يتعلق بهذا اللون، ويؤدون في أحد مقاطعه رقصات ترمز إلى نشاط صيد الأسماك بالشباك، وفق النعيرة، التي أوضحت أن هناك أيضاً لباس الْبُوهَالَة، الذي يجمع كل تلك الألوان، لكنه لا يرمز إلى جميع المواضيع، التي ترمز إليها الألوان السبعة المذكورة، بل يرمز إلى البوهالة، الذين يسمَّوْن "أولاد باب الله"، ويحطون رحالهم في أي مكان، ويُكْرِمُونَ الناس، ويُكْرِمُهُم الناس.

رقصات كَناوة وتطويرها

تُقدَّم موسيقى كَناوة مصحوبة بمجموعة من الرقصات الفريدة، التي ينفرد بها هذا النوع الموسيقي.

وقال القصري إن تلك الرقصات ظهرت منذ زمن، وجاءت مع أولئك العبيد الأفارقة، وإن كل شيء كان يقوم به هؤلاء له مفهوم وسبب، وكانت لديهم طريقة خاصة بهم يمزحون بها مع بعضهم البعض، ويُروِّحُون بها عن أنفسهم، وإن تلك الرقصات تشبه المسرحية، ولها هدف، لكن لم يفهمه أحد، موضحاً أن من بينها رقصة يقوم خلالها رجل بربط وسائد حوله، ويمثل دور المرأة الحامل، كأنها مسرحية.

وأضاف القصري أن كل طَرْحْ (فقرة) كَناوي تُؤدَّى فيه رقصته الخاصة به، وأن لكل رقصة هدفا، وأنه أصبحت هناك رقصات أخرى جديدة اليوم، مبيِّناً أن الرقصات القديمة كانت تُؤدَّى بهدوء بالكتف والعنق، ويحرك الراقص خلال تقديمها جسمه بالكامل وهو يقف في مكانه ودون أن يتعب نفسه، في حين أصبحت رقصات كَناوة تعتمد الآن، بحسب القصري، على القفز والاستعراض.

وكما طور المغاربة موسيقى كَناوة على مستوى المواضيع، فإنهم طوروا أيضاً رقصاتها، وفق القصري، الذي أوضح أنه كما أضاف المغاربة 70% من مواضيع موسيقى كَناوة، فإنهم عَصْرَنُوا كذلك رقصاتها، وأن 70% من رقصات كَناوة الموجودة اليوم هي من ابتكار المغاربة.

الوصول إلى العالمية

عن أسباب وصول موسيقى كَناوة إلى العالمية، أبرز القصري أن لها روحاً خاصة، وأنه لا توجد موسيقى قادرة على جذب ذات الإنسان بسرعة مثل تاكَناويت، وأن مجرد الجلوس والاستماع إلى دندنتها، يجعلك تحس براحة، ليس كأي نوع آخر من الموسيقى.

وأردف المتحدث نفسه أن روح موسيقى الجاز وموسيقى البلوز هي تاكَناويت، مبيِّناً أنه في موسيقى البلوز مثلاً تجد موسيقيّاً يعيش مع آلته، ويعزف بها مقاطع لم يسبق له أن تمرن عليها، وتكون تلك المقاطع نابعة من روحه، وأن أصل تاكَناويت هكذا، إذ لا تُعزَف بشكل منظم ومحدد سلفاً، وإنما هي شيء يصعد من الروح والعقل، وهذا هو سرها، وهو، بحسب القصري، رباني من عند الله تبارك وتعالى.

ومن جانبها، قالت النعيرة إن موسيقى كَناوة تنفتح على أنواع موسيقية كثيرة، ويمكن أن تُمزَج مثلاً مع البلوز والجاز، وإنها موسيقى روحية بشكل كبير، وتنسجم مع جميع الآلات والأنماط الموسيقية، وهذا ما جعلها تصل إلى العالمية، التي لا تعتبر، بحسب النعيرة، أمراً غريباً بالنسبة لتاكَناويت، لأنها غير محدودة، وليست منحصرة في تاكَناويت فقط.

وأضافت النعيرة أن دمج موسيقى كَناوة مع أنواع أخرى من الموسيقى، من بينها البلوز، هو السبب وراء وصولها إلى العالمية، وأنه على الرغم من أن الناس في الخارج لا يعرفون موسيقى كَناوة، فإن الاتصال بينها والأجانب يحدث بسرعة، ويحبها الناس بسرعة، لأنها موسيقى روحية.

تطور الإيقاعات والآلات الموسيقية

عرفت موسيقى كَناوة تطوراً على مستوى الإيقاعات والآلات الموسيقية، فبعد أن كانت تعتمد بشكل أساسي على آلتي الكَنبري والقراقب الموسيقيتين، إلى جانب الطبل، أضيفت إليها آلات موسيقية أخرى، من بينها الجيتار الكهربائي، والدرامز، والرباب الأمازيغي.

وأفاد القصري بأن هذا التطور على مستوى الإيقاعات والآلات الموسيقية، يعد سبباً من أسباب وصول موسيقى كَناوة إلى العالمية، وأن اختلاط الثقافات يولد حبّاً بين الفنان المغربي والأمريكي أو الألماني أو الإيطالي أو غيرهم، وأنه عندما يأتي إلى المغرب مثلاً جَازْمَانْ (مغني جاز) ماهر ومشهور في أمريكا، يعزف على الجيتار أو الساكسوفون أو غيرهما من الآلات الموسيقية الأخرى، ويعزف مع كَناوة، يبدأ بعد ذلك في البحث عن إيقاعات كَناوية، ليضيفها إلى أعماله الموسيقية، وأن هناك الكثير من المجموعات الموسيقية المشهورة، التي اقتبس أعضاؤها من موسيقى كَناوة، وقدموا أعمالاً موسيقية بإيقاعات كَناوية زادتهم شهرة، لأن لتاكَناويت، بحسب القصري، إيقاعات قال إنه لا يستطيع وصفها، وفيها شيء خارق للعادة، بحسب تعبيره.

وتابع القصري أنه كان في عام 1975 في مدينة طنجة (شمال المغرب)، وكان وقتها طفلاً، وأتى فنان الجاز وعازف البيانو الأمريكي، راندي وستون، وعزف مع كَناوة هناك، واحتفظ (أي القصري) بفكرة مزج الألوان الموسيقى في دماغه، وعندما أسس فرقته لموسيقى كَناوة في تسعينيات القرن الماضي، أدخل فيها البيانو، والجيتار، والكثير من الآلات الموسيقية، وأصبح بعدها يسافر ويلعب الموسيقى مع مجموعات في فرنسا، ومن إيطاليا، وإنجلترا، وغيرها من الدول، ووجد أنهم يحبونه بسبب طريقته في تقديم موسيقى كَناوة، التي أدخل عليها تحسينات.

وفي هذا الجانب، أوضحت النعيرة أن هذا التطور على مستوى الإيقاعات والآلات الموسيقية، يعد سبباً من أسباب وصول موسيقى كَناوة إلى العالمية، موضحة أن هناك موسيقيين يعزفون مثلاً على الدرامز أو الجيتار، وهناك أجانب يعرفون فقط موسيقى الْفِيزْيُونْ (المزج بين أنواع موسيقية مختلفة) والموسيقى الغربية، وعندما يسمعون موسيقى كَناوة ممزوجة مع موسيقاهم، التي يحبونها، يتأثرون بها، وهكذا تجلب موسيقى كَناوة الناس، وتصبح أكثر عالمية.

دور مهرجان كَناوة 

اعتبر القصري أن تأسيس مهرجان كَناوة وموسيقى العالم في مدينة الصويرة (عام 1998)، أكمَلَ الجملة، بحسب تعبيره، إذ أصبح أي موسيقِيٍّ في العالم يتمنى لعب الموسيقى مع كَناوة في المهرجان، الذي شاركت فيه مجموعة كبيرة من الفنانين العالميين، من بينهم راندي وستون، قدم القصري حفلات مع عدد منهم هناك، وأحبوا، بحسبه، تاكَناويت، وأصدروا أعمالاً موسيقية فيها من هذا النوع الموسيقي.

ومن جانبها، ترى سيفي أيضاً أن مهرجان كَناوة وموسيقى العالم بمدينة الصويرة ارتقى كثيراً بموسيقى تاكَناويت.

 

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية